أسباب فقدان حاسة التذوق: نظرة علمية شاملة على الأسباب والعوامل المؤثرة

تُعد حاسة التذوق إحدى الحواس الخمس الأساسية التي تساهم في تعزيز تجربة الإنسان الحياتية والغذائية، كما تلعب دورًا مهمًا في التحذير من المواد الضارة أو الفاسدة. وعندما يصاب الإنسان بفقدان هذه الحاسة، سواء بشكل مؤقت أو دائم، تتأثر جودة الحياة، ويبدأ في مواجهة صعوبات تتعلق بالشهية، التغذية، وحتى الصحة النفسية. وفقدان التذوق يمكن أن يكون عرضًا لحالة صحية معينة أو نتيجة لعوامل بيئية أو دوائية أو نفسية.

من الضروري التمييز بين فقدان التذوق الجزئي (Hypogeusia)، حيث تقل حساسية التذوق، وفقدان التذوق الكلي (Ageusia)، حيث تختفي الحاسة تمامًا. وهناك أيضًا حالات من “الخلل في التذوق” (Dysgeusia) حيث يُشعر بتغير غريب أو مر أو معدني في طعم الأطعمة. جميع هذه الحالات ترتبط بأسباب متعددة ومعقدة تختلف في تأثيرها وآلياتها.

1. الالتهابات الفيروسية والبكتيرية

تشكل العدوى الفيروسية أحد الأسباب الأكثر شيوعًا لفقدان حاسة التذوق. وتعتبر نزلات البرد والإنفلونزا والتهابات الجيوب الأنفية والتهابات الجهاز التنفسي العلوي من العوامل الرئيسية في ذلك. حيث تؤثر هذه الحالات على الممرات الأنفية واللسان والبلعوم، ما يضعف استشعار الطعم. غالبًا ما يرتبط التذوق بالرائحة، لذا فإن احتقان الأنف أو التهاب الأغشية المخاطية يؤثر على إدراك النكهات.

ومن الأمثلة الحديثة على الفيروسات التي تسبب فقدان التذوق، فيروس كورونا المستجد (COVID-19). فقد تبين أن العديد من المصابين بهذا الفيروس يعانون من فقدان مفاجئ لحاستي الشم والتذوق، وقد يستمر هذا العرض لأيام أو حتى لأسابيع بعد الشفاء من العدوى.

الجدول التالي يوضح أبرز الفيروسات المؤثرة على حاسة التذوق:

2. الاضطرابات العصبية

يعتمد التذوق على تواصل معقد بين خلايا التذوق على اللسان والأعصاب الحسية والمخ. أي خلل في هذا النظام يمكن أن يؤدي إلى ضعف أو فقدان التذوق. الأعصاب المسؤولة عن التذوق تشمل العصب الوجهي (Facial nerve)، العصب اللساني البلعومي (Glossopharyngeal nerve)، والعصب المبهم (Vagus nerve). تلف أو ضغط أي من هذه الأعصاب نتيجة لحوادث، أورام دماغية، سكتات دماغية، أو أمراض عصبية مثل التصلب اللويحي المتعدد (Multiple Sclerosis) يمكن أن يؤدي إلى اضطراب في التذوق.

كما أن مرض باركنسون والزهايمر من الأمراض العصبية التي ترافقها اضطرابات في الحواس بما فيها التذوق، وذلك بسبب تدهور الوظائف العصبية والدماغية تدريجياً.

3. الآثار الجانبية للأدوية

تعتبر الأدوية من أكثر العوامل المسببة لفقدان التذوق، خاصة عند كبار السن الذين يتناولون أدوية متعددة في نفس الوقت. بعض العقاقير تتداخل مع مستقبلات التذوق أو تغير من تركيبة اللعاب أو تسبب جفاف الفم، مما يضعف من قدرة الفرد على إدراك النكهات.

من الأدوية المعروفة بتأثيرها السلبي على حاسة التذوق:

• المضادات الحيوية مثل كلاريثروميسين وميترونيدازول

• أدوية الضغط المرتفع مثل كابتوبريل ولوسارتان

• مضادات الاكتئاب

• أدوية العلاج الكيماوي

• بعض أنواع أدوية الزنك أو الفيتامينات بجرعات عالية

4. نقص الفيتامينات والمعادن

الفيتامينات والمعادن لها دور رئيسي في دعم وظيفة الأعصاب وخلايا التذوق. نقص بعض هذه العناصر الغذائية يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في التذوق أو فقدانه. ومن أبرزها:

• الزنك: نقصه شائع لدى كبار السن ويسبب خللاً في التذوق

• فيتامين B12: نقصه يؤدي إلى تدهور الأعصاب

• فيتامين D: يلعب دورًا في دعم الجهاز العصبي والمناعي

• الحديد: انخفاض مستوياته يؤثر على صحة الفم واللسان

سوء التغذية، الأمراض المزمنة، أو الامتصاص غير الجيد لهذه العناصر في الأمعاء مثل مرض السيلياك أو مرض كرون، يزيد من احتمالية فقدان التذوق.

5. الشيخوخة

تتراجع حاسة التذوق بشكل طبيعي مع التقدم في العمر. حيث يفقد الإنسان جزءًا من مستقبلات التذوق على سطح اللسان، وتنخفض حساسية الأعصاب الحسية، ما يجعل بعض النكهات غير واضحة أو ضعيفة. كما أن انخفاض إنتاج اللعاب وتراجع وظائف الجهاز العصبي المركزي تساهم في تقليل الإحساس بالنكهات.

قد يترافق هذا الانخفاض مع أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، والتي تستوجب تناول أدوية تؤثر بدورها على حاسة التذوق.

6. التدخين وتعاطي الكحول

يؤثر التدخين سلباً على مستقبلات التذوق من خلال التهيج المستمر للغشاء المخاطي في الفم. كما أن المواد الكيميائية في التبغ قد تؤدي إلى تلف خلايا التذوق أو تقليل حساسيتها. ومع مرور الوقت، قد يصبح المدخن غير قادر على تمييز النكهات الدقيقة.

الكحول بدوره يسبب جفاف الفم، ويؤثر على وظيفة الغدد اللعابية، ما يعيق تذوق الأطعمة بشكل سليم. بالإضافة إلى ذلك، الكحوليات الثقيلة قد تؤثر سلبًا على الكبد والأعصاب، ما يؤدي إلى اضطرابات حاسة التذوق.

7. إصابات الرأس والفم والوجه

الحوادث التي تصيب الرأس أو الوجه يمكن أن تتسبب في تلف الأعصاب المرتبطة بالتذوق. كسر في قاعدة الجمجمة أو إصابات في العصب الوجهي قد تؤدي إلى فقدان التذوق الجزئي أو الكلي. كما أن بعض عمليات الجراحة في الفم أو الأنف أو الحنجرة قد تؤثر على أعصاب التذوق.

حتى الإجراءات الجراحية البسيطة مثل إزالة اللوزتين أو العمليات الجراحية للأسنان، قد تكون مصحوبة بتلف بسيط في الأعصاب الحسية، ما يؤدي إلى تغيّر في التذوق.

8. أمراض الغدد الصماء والهرمونات

تؤثر الهرمونات بشكل مباشر على وظائف الحواس. على سبيل المثال، داء السكري غير المسيطر عليه يؤدي إلى تلف الأعصاب الطرفية، ومن ضمنها الأعصاب الحسية المرتبطة بالتذوق. كما أن اضطرابات الغدة الدرقية، سواء كانت قصورًا أو فرطًا، يمكن أن تسبب تغييرات في التذوق نتيجة للتغيرات في الأيض والنشاط العصبي.

9. أمراض الفم واللسان

تؤثر بعض حالات التهابات الفم واللسان على حاسة التذوق، مثل:

• التهاب اللسان الحاد (Glossitis): حيث يتورم اللسان وتضعف قدرته على التذوق

• عدوى فطرية (مثل داء المبيضات): تصيب الفم وتؤثر على مستقبلات التذوق

• قرحات الفم: قد تُشعر الفرد بألم وتمنعه من التذوق بشكل طبيعي

• جفاف الفم: الناتج عن أمراض الغدد اللعابية أو الأدوية

10. الأسباب النفسية

تلعب الحالة النفسية دورًا غير مباشر في التأثير على حاسة التذوق. القلق والاكتئاب الحاد قد يصاحبهما فقدان في الشهية والطعم، أو إدراك مشوّه للنكهات. كما أن مرض فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) أو الشره المرضي (Bulimia) قد يؤديان إلى تغير في وظيفة الحواس بوجه عام.

11. العلاج الكيميائي والإشعاعي

المرضى الذين يخضعون للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي، خصوصًا في حالات السرطان التي تؤثر على الرأس والعنق، يعانون من تغيرات شديدة في التذوق. الإشعاع يمكن أن يُتلف الغدد اللعابية وخلايا التذوق، بينما تؤثر الأدوية الكيميائية على الجهاز العصبي والنهايات الحسية في الفم.

12. التسمم المعدني أو الكيميائي

بعض حالات التسمم بالمعادن الثقيلة مثل الرصاص أو الزئبق، أو التعرض المستمر للمواد الكيميائية الصناعية، قد تؤدي إلى تلف دائم في الأعصاب الحسية وخلايا التذوق. كذلك قد تسبب هذه المواد شعورًا دائمًا بطعم معدني غير مرغوب فيه.

إن فهم الأسباب المختلفة لفقدان حاسة التذوق يتطلب تقييماً دقيقاً وشاملاً، يجمع بين الفحوص الطبية والتاريخ الصحي والتغذوي والنفسي للمريض. وفي حال استمرار فقدان التذوق، من الضروري مراجعة أخصائيي الأنف والأذن والحنجرة أو الأعصاب لإجراء الفحوص اللازمة. كما أن معالجة السبب الأساسي يمكن أن يؤدي في كثير من الحالات إلى استعادة الحاسة تدريجياً، خاصة إذا كان السبب قابلاً للعلاج أو التحكم.

المراجع:

1. Bartoshuk, L. M., Duffy, V. B., & Reed, D. (2006). Taste and smell dysfunction. The New England Journal of Medicine.

2. Doty, R. L. (2019). Olfactory dysfunction and its measurement in the clinic. World Journal of Otorhinolaryngology – Head and Neck Surgery.